الأربعاء، 4 مايو 2011

مقال مهم للسيد رئيس هيئة النزاهة القاضي العكيلي


شركات متنفذة

رحيم حسن العكيلي

يقف وراء الفشل في تقديم الخدمات، وعدم ظهور آثار ملموسة للأموال الكبيرة التي ترصد للمشاريع والإعمار في العراق في السنوات الماضية اسباب كثيرة، منها الوضع الامني والفساد وعدم نمو قدرات القطاع الخاص العراقي بما يكفي لتنفيذ مشاريع كبرى، وعزوف الشركات الكبرى والمستثمر الاجنبي عن الدخول الى العراق، وضعف قدرات القطاع العام في ادارة مشاريعه وتنفيذها بطريقة ملائمة، وغيرها. الا ان الفساد يظهر كأنه السبب والتحدي الاكبر وراء كل ذلك، وقد اختفت خلفه كل الاسباب والتحديات الاخرى، حتى اضحى يبدو كأنه السبب الاوحد لدى الناس، بسبب كثرة التركيز عليه دون الاسباب والتحديات الاخرى.
الا انه (اي الفساد) يظل سبباً مهماً ومؤثراً، وله صور ومظاهر خطيرة، لعل أهمها، وقوف متنفذين (سياسيين او غير سياسيين) خلف الشركات التي تتنافس على العقود والمشاريع، وهي في هذا ثلاثة أصناف:
الاول: ان تكون الشركات عائدة لمتنفذين ومسجلة علنا بأسمائهم او اسماء ازواجهم او اقاربهم، أو هم مدراؤها المفوضون.
الثاني: ان تكون تلك الشركات عائدة لهؤلاء المتنفذين في الحقيقة، الا انها مسجلة باسماء اشخاص آخرين واجهيين، يعملون فيها لمصلحة المتنفذين، وليس لهم سوى إدارتها لمصلحة أولئك المتنفذين.
الثالث: ان لا تكون للمتنفذين ملكية في تلك الشركات، لكنهم يدعمونها في مقابل عمولات ورشاوى يتعاطونها منها.
وهذا رتب مظاهر خطيرة للفساد في المشاريع والعقود العامة، أهمها ما يأتي:
1- ان تحال العقود او المشاريع على تلك الشركات باضعاف قيمتها الحقيقية، فاما ان يبالغ في تقدير كلفها التخمينية، او ان تحال بلا تقدير كلف تخمينية، فقد يحال عقد تقدر كلفته التخمينية بـ (137) مليار دينار، بمبلغ (277) مليار دينار.
2- احالة العقود على تلك الشركات بطرق لا تؤمن الحد المقبول من المنافسة، اما بطريق الدعوة المباشرة او العطاء الواحد، او بطرق ملتوية كثيرة، تتحايل على القوانين وتخرقها، منها طريق اظهار القطاع العام في الواجهة وكأن العقود او المشاريع محالة بعهدة شركات القطاع العام، ولكنها في الحقيقية تحال من خلفها الى شركات خاصة مسنودة من أحزاب او جهات متنفذة معينة.
3- ان تستلم المشاريع على اساس انها نفذت بطريقة سليمة، رغم ان الشركات نفذتها بطريقة لا تتطابق مع معايير الجودة، او غير مطابقة للمواصفات المتفق عليها. وتكون النتيجة فشل تلك المشاريع او عدم تحقيقها للغاية منها.
4- استلام سلف كبيرة او مبالغ مقدمة، لا تتلاءم مع مقدار التنفيذ الفعلي، وترك المشروع بلا تنفيذ، ودون اي تقدم على أرض الواقع، في حين تستغل الشركة او المقاول السلف او المبالغ التي استلمها من اموال الدولة، في التجارة او في المصارف وغيرها.
5- عدم اتخاذ اي اجراءات قانونية حقيقية ضد تلك الشركات او المقاولين المتلكئين او المتأخرين في تنفيذ المشاريع، والاكتفاء بتجديد المدد لها والإعفاء من الغرامات التأخيرية، دون مسوغات قانونية حقيقية. وهذا قد يفسر العدد الكبير من الشركات العراقية التي سجلت لدى مسجل الشركات بعد العام 2003، فقد بلغ عدد الشركات العراقية المسجلة عام 2003 (8374) شركة فقط، في حين بلغت في 31 / 12 / 2010 (49239) شركة عراقية، اي بزيادة فاقت خمسة اضعاف عدد الشركات المسجلة لغاية نهاية عام 2003، وهذا ينطبق على مكاتب وفروع الشركات الاجنبية التي كانت (194) مكتباً وفرعاً في عام 2003 فقط، الا انها أصبحت في نهاية العام 2010 (807) مكاتب وفرع شركة اجنبية.
ان القسم الاكبر من الفساد الكبير في العراق اليوم هو الابن الشرعي للجمع بين صفات (السياسي والتنفيذي والمقاول) لدى ثلة من الطبقة السياسية في الحكومة وخارج الحكومة وفي المحافظات ومجالس المحافظات، وهو اخطر صور تعارض المصالح، التي تقف القوانين والانظمة الادارية المعمول بها حاليا عاجزة عن معالجته، وايقاف هدره للمال العام، واستنزاف موارد الدولة، وتعطيل خططها ومشاريعها.
* رئيس هيئة النزاهة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق